اجرأ الحوار الصحفي : عادل سيد أحمد
جلستان مع مولانا بالقاهرة.. وحديث السبع ساعات!
الخليفة عبد المجيد والسكرتير حسن .. «ويا الغالي وينك ليا».. كانت شفاعات الحوار المطــول..
لم أتردد.. فقد قلت لمولانا السيد محمد عثمان الميرغني.. كلّ سؤال.. ولأنّ الرجل كثير الإستشهاد بلغة القرآن ، فقد قلت له: «سنلقي عليك قولاً ثقيلاً»..!.
ولكن، قبل أن أدخل في التفاصيل، لا بدّ من سرد حكاية هذا الحوار، والذي إعتبره توفيق من الله.. لعدة أسباب.. أهمها على الإطلاق: أنّ مولانا، «مُقل» .. لا يتحدث كثيراً.. ولا حتى قليلاً..
بل إنّ الوصول إليه، في منزله العامر، بضاحية «مصر الجديدة» بالقاهرة.. يعتبر أمراً صعباً جداً..
ولكنني، توكلت على الله... وهو ، سبحانه ، قادر على كلّ شيء.. وأتصلت بدفعتي في الجامعة ، الأخ الأستاذ حسن مساعد ، وهو مدير مكتب السيد محمد عثمان الميرغني.. وقلت له .. أريد أنْ أقابل مولانا ، حتى أعزيه في وفاة أُمنا «الشريفة»...؟؟!.
فقال لي: إن شاء الله.. وسأتصل بك..!.
وبالفعل .. بعد يومين إتصل بي ، حسن مساعد.. وقال لي: « مولانا ، منتظرك غداً الخميس، الساعة التاسعة والنصف مساءً، بمنزله ، بمصر الجديدة»..
ولأن القاهرة زحمة شديدة.. والطريق من مسكني ، في عين شمس ، ولولا الزحمة، لا يتعدى العشر دقائق.. ولكنني تحركتُ نحو الثامنة والنصف..
الشارع الذي يوجد فيه منزل الميرغني ، إسمه «شارع الخرطوم» .. واليافطة مكتوب عليها «فيلا طيبة»..
بتاع التاكسي، أنزلني في رأس الشارع... حيث الإجراءات الأمنية..
جاءني رجل مهندم.. يلبس بدلة كاملة .. وسألني: «عادل بيه.. سيد أحمد».. فقلت له: نعم.. فقال لي : «أتفضل يا بيه .. الجماعة في انتظارك..!.
أفرحتني وطمأنتني، كلمــتي: «يا بيه» ..!.
***
رجل «البدلة السوداء» .. أوصلني الباب.. وهناك، استلمني رجل ، يبدو أنه «أرفع» من الأول.. حيث رفع روحي المعنوية أكثر.. وقال لي: «أهلاً .. أهلاً.. يا باشا نوّرت مصر.. إتفضل .. إتفضل»..
وما هي إلا دقائق .. حتى جاءني «حسن مساعد» .. ثم أدخلني غُرفة ضخمة.. مُعدة خصيصاً لإستقبال الضيوف.. الغُرفة مكتظة بكراسي الجلوس .. وعلى حيطانها صوراً للكعبة، وحولها عمارات ، في مبناها القديم..
وعلى الجنبة الثانية، توجد صوراً للسيد علي الميرغني، أبو التصوف ورمز الإستقلال، والقائد الروحي الملهم ومرشد الطريقة .. وحكيم السودان .. طيب الله ثراه..
وأيضاً، على جنبة أخرى توجد صورة للسيد محمد عثمان الميرغني.. بلبسه العتيق ، ووقفته المعروفة..
***
لا أنكر أنني، في البدء، أُصيبت «بخيبة أمل» .. لأن الصالون كان ممتلئاً بالزوّار .. نحو «مائة» شخص.. كلهم ينتظرون مولانا..
فقلت، لنفسي :« يبدو أنّ خطتي ستفشل.. فالميرغني يحتاج مني إلى مجهود جبار ، كي أقنعه بالحوار.. فكيف لي أن أفعل ذلك، في وجود كلّ هؤلاء الزوّار» ..!.
***
ولكنني ، لاحظت أنّ الخليفة الكبير والرجل الختمي البارز ، الشيخ عبد المجيد عبد الرحيم الصادق ، يجلس عن يمين مولانا..
فرحت.. أيما فرح...
فالخليفة :
أولاً: صاحبي جداً..
وثانياً: شايقي..
***
بعد أن قام مولانا ، بالترحيب بضيوفه الكرام.. ووضح للحاضرين أنّه قادم لتوه من إجتماع - بمنزله هذا - مع الأستاذ محمد ابراهيم نقد والدكتور الشفيع خضر..!.
***
ثم أخذني الأخ حسن مساعد ، كي أسلم عليه.. وإذا بالخليفة عبد المجيد، يصر عليّ ، أن أجلس على الكرسي الذي كان يجلس هو عليه..
نعم.. لقد أكرمني الله ، بأن أجلس على يمين السيد الميرغني.. !.
ثم تحدث الخليفة عبد المجيد، قائلاً : يا مولانا.. ولدنا دا ، لازم تتكلم ليهو..
***
قمتُ بواجب العزاء.. حيث قلت لمولانا: «باسم الخليفة عمي أحمد خليفة، ووالدي سيد أحمد خليفة ، وأُسرتنا في الخرطوم ومروي .. جئت لأحمل لك تعازيهم في وفاة أمنا الشريفية»..
شكرني مولانا.. ثم طلب مني أن أوصل التحيات لكل الأهل..!.
***
سألني عن مروي..
فطمأنته..
كان يتحدث عن تلك المنطقة، وألحظ بين طيات كلامه .. «مكانة خاصة».. فالمنطقة ، من معاقل الختمية..
ذكرته بالتاريخ.. وذكرت له أنّ حبوبتنا ، عليها رحمة الله، الحاجة حُسنة بت ود الشام.. كانت تقول لنا :«يا خرابين.. لو ما حبيتو الناس ديل.. ربنا حايعوج ليكم خشومكم»..!.
وأضفت : إنّ أهلنا كانوا يستقبلون مولانا السيد علي الميرغني، رضي الله عنه .. بالأفراح والدفوف:
وينك ليا.. يا غالي وينك ليا ..
دايرين شوفتك الشايقية..
وينك ليا يا دُخري الحوبة ..
تسقيني اللبن بالكوبة
فاطني الزهري، ليك الحبوب..!.
***
لقد إبتسم مولانا..
وبدأت الغِبطة على وجه الخليفة عبد المجيد..
***
وإعتبرت نفسي ، قد أنجزت المرحلة الأولى من درب المليون ميل، نحو إجراء حوار مع مولانا..!.
ولم أكن أتصور أنني قد قطعت المليون ميل..
حيث عاجلني الميرغني بالقول: أنا مستعد لأي سؤال، من جانبك..
***
كان ذلك وسط دهشة الجميع.. حيث لاحظت أنهم يبحلقون نحوي ، متسائلين:
دا منو المُصيبة دا..
المولانا، فتح ليهو قلبه..!.
***
لقد كان من ضمن الحاضرين ، ثلاثة صحافيين..
شعرت بأنهم.. يرغبون في أن أعقد لهم مؤتمراً صحفياً.. لأوضح لهم خلاله :« كيف وصلت إلى هذا الكرسي الرفيع.. .. وكيف نجحت في الحديث الصحفي مع مولانا..؟؟!.
***
إختصرت الكلام.. وقلت لهم:
«الله، يفعل ما يريد»..!.
***
بعد العشاء .. تبوأت مقعدي «عن يمين الميرغني»..
اللهم أجعلنا من أصحاب اليمين..!.
***
أوقفت ماكينتي الصوفية..
وشغلت الماكينة الصحفية.. فقلت للسيد محمد عثمان الميرغني:
«ما حكاية انك حفيد النبي ..؟؟!.
ابتسم ، قائلاً : «إنت مُنكِّر.. ولا شنو...؟؟